Alayyam - الأيام

الأسمنت والمصعد.. من ملامح التطور العمراني في بيروت في أواخر القرن 19/ الأستاذ زياد سامي عيتاني.

الأسمنت والمصعد.. من ملامح التطور العمراني في بيروت في أواخر القرن 19/ الأستاذ زياد سامي عيتاني


 1513 | | | Admin



حين دخلت بيروت القرن العشرين لم يكن عدد طبقات أبنيتها يتجاوز الأربع في أحسن الأحوال، وجلها كان يقع في ما كان يعرف خلال ردح طويل من الزمن بـ"وسط المدينة" أو "البلد". وكان على بيروت أن تنتظر حلول مطلع الأربعينات من القرن العشرين لتشهد أبنيتها إرتفاعاً في طبقاتها، تعدى في بعض الحالات الطبقات الثماني.
وقد تعود الأسباب التي ساهمت في مثل هذا الإرتفاع إلى أمرين إثنين: الأول إستخدام الإسمنت في عملية البناء، مما ساعد المهندسين على إمتلاك تقنية جديدة سهلت لهم الشروع في بناء الأبنية العالية. والسبب الثاني ظهور المصعد الكهربائي الذي يسهل عملية الصعود إلى الطبقات العليا من دون عناء أو مشقة.
ومن هنا يمكن القول إن حقبة الإنتداب الفرنسي أرست قاعدة العمارة التي تصنف بالحديثة وتتميز بالارتفاع وإزدياد الطبقات. كذلك أرست هذه الحقبة نمطاً جديداً من الأبنية الضخمة دون شرفات، خصصت للأنشطة الإقتصادية على إختلافها. من بنايات هذا النمط المعماري الجديد كانت بناية سرسق مقابل سينما الروكسي في ساحة البرج وبناية اللعازارية وبعدها بناية العسيلي.
من هنا يمكن القول ان تلك الحقبة أفضت إلى نوعين من العمارة: عمارة بشرفات وأخرى بلا شرفات. الأولى تؤشر في حال تكاثرها في منطقة ما إلى أننا إزاء منطقة سكنية، والثانية أننا إزاء منطقة تجارية.
هذا النموذج المعماري الذي بدأ يغلب على الأبنية الخاصة بالأنشطة التجارية ما لبث أن إعتمد في أواخر ستينات القرن الماضي مواد بناء جديدة، هي الواجهات الزجاجية، كبناية "المصرف العربي" في شارع المصارف وبناية "بنك إنترا" في الحمراء ومجمع "الجيفينور" في الحمراء أيضاً. كما شهدت هذه الحقبة زيادة في إرتفاع الأبنية ليصل عدد طبقاتها أحياناً إلى ما يزيد عن ثلاثين طبقة، كبرجي "المر" في القنطاري و"رزق" في الأشرفية.
من هنا يمكن القول أن التحديث المدني كان إحدى الأولويات التي سعت إليها سلطات الإنتداب الفرنسي التي قامت بتوسيع المدى الجغرافي لبيروت وشقت الطرق وحسنتها، لربط الأحياء بقلب المدينة، في وقت تزامن هذه التحسينات مع تطور نمط الحياة على كل المستويات.
وبفعل التحديث بدأت الأبينة الإسمنتية ذات الإرتفاع العمودي بالإنتشار في كل الإتجاهات، حاصدة البيوت التقليدية والحدائق، لتفقد بيروت شيئاً فشيئاً وجهها البلدي أمام الزحف العمراني الذي ما لبث أن تعمم وإنتشر وإتخذ أشكالاً عدة تحت تأثير الولع بالحداثة الأوروبية من جهة، والإستثمار والتطوير العقاري من جهة ثانية. لذا خسرت بيروت الكثير من طابعها وأنماط عمارتها.
الأستاذ زياد سامي عيتاني
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي. عضو جمعية تراث بيروت.
الصورة لمصعد قديم في قصر حنينة (بيت الاستقلال) في محلة القنطاري بعدسة السيدة إنعام خالد، عضو جمعية تراث بيروت.

بيروت-الطقس