Alayyam - الأيام

د. حسين عبيد. العقل في الإسلام ،التحديّات وسبل المواجهة /جريدة الأيام الإلكترونية .

د. حسين عبيد. العقل في الإسلام ،التحديّات وسبل المواجهة /جريدة الأيام الإلكترونية


 1663 | | | Admin



خصّ الله سبحانه وتعالى الإنسان بنعمة العقل، وجعله المائز عن سائر المخلوقات، تعضده منظومة تستمد مشروعيتها من النصوص الدّينية، القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وتحت هذا اللواء يعقد البعض لنفسه لواء الدفاع عن الدّين حاملًا "راية الإسلام".
ومن خلال العنوان المثار حول " العقل في الإسلام ودوره في جبه التحديّات" حيث لا يمكننا الحديث عن تلك التحديات إلّا من خلال قراءة امتداديّة باعثة أو محركة للعقل في الإسلام، ودوره ومكانته، في فهم النصوص، وكشفه عن المراد منها، مع علقة منهجيّة في مدارس متنوعة، بين من أعطى العقل مكان الصدارة وجعله المرجعيّة الوحيدة، وبين من غيّبه بالمطلق، وبين هذا وذاك من نحا باتجاه التوفيق بينهما، وربّما في عصرنا الحاضر من ارتأى إقصاء نفسه كليّة عن النصوص، بل حاربها وشنّ عليها حملة شعواء، وبين متمسك بها، وجعلها المرجعيّة الوحيدة في تسيير شؤون الحياة، وبنى عليها فهمه للإسلام، هذا من داخل المنظومة الإسلاميّة، فكيف من سار باتجاه التغريب ورأى أنّ "العقل في الإسلام" يعاني من أزمة مفهوميّة تنعكس في الممارسة إقصاءً وتكفيرًا، ما يجعله يقف عاجزًا أمام تطورات الحياة، فضلًا عن الصورة المشوّهة التي يقدّمها بعض المدّعين للإسلام. من هنا لا يمكننا الحديث عن عقل إسلامي، بل عن دور للعقل في الإسلام في جبه التحديات المتراكمة... حتى اليوم.
في ظل التشرذم المذهبيّ الإسلاميّ في عالمنا اليوم، وغياب منطق الحوار في ما بين مكوناته، ولجوء بعض الفرق منها إلى منطق التكفير، وأسلوب التّصفية الجسديّة انطلاقًا من أدلجة خطيرة تستولي على عقول التابعين وتصيّرهم أدوات طيّعة لا تملك نقدًا أو تساؤلًا أو اعتراضًا، وبمنأى عن لازمة جلد الذّات، أو تكرار الرثائيّة المعهودة للواقع المأزوم الذي نعيش. فكيف يواجه العقل هذه التحديات...؟
وهذا يحفّزنا إلى التساؤل: ما دور العقل في منظومتنا الفكريّة، وبالتالي أيّ الطرائق في التفكير نتّبع؟ وما هي الموارد التي يكون فيها العقل حاكمًا، وفي أيّها يتنازل لصالح النّص؟ وثالثة، كيف يتم التعامل مع جدليّة العلاقة بين الوحي والعقل؟ أين يتقدم الوحي وأين يتراجع، وأين يتقدم العقل، وأين يتراجع؟ وفي أيّ المجالات مسموح للعقل الخوض فيها؟ وفي أيّها محظور عليه محاكاتها؟ وكيف يمكن لنا الكشف عن خفايا لم ينطق بها الوحي؟ وأين هي مواقع التفسير والتأويل والأخذ بالظاهر والباطن وما عداها؟ فضلًا عن المنهج المعتمد في معالجة هذه الموضوعات، عدا انتهاك حرمة النصوص وتوظيفها في متاهات السلطة والسياسة، وتلك في مماهاة السياسة للشرع؟ وعليه هل بقي النص الدّيني أو قل، هل بقي "العقل الإسلامي" على صفائه. وما المؤثّرات التي دخلت في حرف المفاهيم؟ كلّها أسئلة ينبغي الإجابة عليها:
وتتمظهر التحديات التي تواجه هذا العقل، في:
1 ـ الافتقار إلى رؤيّة علميّة وموضوعيّة وإلى منهجيّة واضحة في التصدي للمشكلات لدى معظم القوى والنخب الفكريّة والسياسيّة الحاكمة، وتتمثل هذه الحالة عمليًّا من خلال النقص في حال الوعي والرؤية الواقعية للمستقبل. 2 ـ الفهم القاصر عن مقاصد الشريعة والثوابت المرتكزة على المنظومة الفكريّة والعقديّة والتشريعيّة الإسلامية والاتجاه إلى المعالجات التجزيئيّة، بعيدًا عن لحظ المتغيرات والمؤثّرات المجتمعيّة والسياسيّة والفكرية المحلية أو تلك التي تتفاعل بالخارج وتنفعل به.
3 ـ شيوع ظاهرة الإرهاب التكفيري، النابع من نصوص جامدة، وتغذّيه العصبيّة والغرائزيّة، ويقتات على موائد الحقد والكراهية، ويتزيى بأفكار سلفيّة من مختلف المشارب... وأيّ سلف هو ومن هو السلف؟!!!
4 ـ اعتماد نمطية التحزب والانتماء الحركي التي نشأت، في الغالب، عند مؤسسي التيارات الإسلاميّة ومنظريها، بعيدًا عن النظر في حاجات الأمّة والمجتمع، وتأثر الشباب المنتمي إليها بها ... وكان نتاج هذه الثقافة مزيدًا من التقوقع والانعزال عن الناس ما ترك فجوة في المجتمع...
5 ـ مأزق تحقيق التنمية الإنسانيّة والتنميّة الثقافيّة بمعناها الواسع والشامل، والفشل في بناء مشروع سياسي واجتماعي تعددي تتحكم به مؤسسات عمل عصريّة تحظى بالشرعيّة، وتعبّر عن الإرادة الحرّة للناس، وتمنع من الوقوع فريسة الاستلاب في الحقلين الداخلي والخارجي....
6 ـ الفشل في تحقيق مشروع الدولة من خلال التأرجح بين دولة المواطنة ودولة الأمّة.....
7 ـ الارتباك في التعامل مع المنظومة الثقافيّة والفكريّة التي تسعى إليها العولمة من موقع المهيمن في النزوع باتجاه العالميّة والكونيّة في الدعوة إلى مبادئها وأنساقها المعرفيّة الحضاريّة الخاصّة... بهدف تحويلها إلى حالة دعوتيّة سلوكيّة عامّة... وموقعنا الهامشي من كل ذلك.
8 ـ الانصياع لثورة المعلومات والتكنولوجيا التي أصبح العالم معها قريّة كونية واحدة ... وباستخداماتها الخاطئة مع ما يؤدّي ذلك إلى انغلاق الشعوب والمجتمعات على ذاتها، وما يخلّف من أزمات اجتماعيّة وحالات فقر وعوز، وسط عالم متشظٍ ومتناثر، وفي غياب أيّ تأثير فعلي...
ومن العوائق التي تمنع العقل من تأدية دوره في جبه التحديّات: 1 - اعتماد المطلقات والتعميمات في المفاهيم والموضوعات المثارة، من دون تدقيق وتمحيص في معانيها ومدلولاتها....
2 - الانطلاق من قاعدة الإمساك بالحقيقة المطلقة لدى معظم التيّارات الفكريّة والعقديّة في المجتمع الإسلامي، مع الميل إلى نزعة الاضطهاد للفكر المخالف أو المختلف إن لم نقل استئصاله....
3 - هيمنة سلطة الفتوى، المُحرَّكة من النصوص الجامدة في أغلب الأحيان، وإلباسها ثوب القداسة، بغض النظر عن المرجعيّة التي أصدرتها، ومن دون الالتفات إلى القرائن المُحتّفة بها نصًّا، والمؤثرات المستجدة المحيطة بها في الواقع العملي....
4 - هيمنة الأفكار والطروحات الانغلاقيّة القديمة والموروثة، في الغالب، التي يُحظر الخوض والبحث فيها... وهي أفكار لا تزال تهيمن على وعي الفرد المسلم وسلوكه وتوجه مساراته الحركيّة في الحياة. إن لم نقل إنّها المُنتج الأول للفكر الاستئصالي المخالف أو المختلف، باعتباره يتغذى على ساقِ بطانتها، وما تُحدث من إفرازات تشد باتجاه العنصريّة وبث روح الفرقة والتعالي، مستتبعًا، ومن قلب منظوماتها التكفير وما يتبع من قتل واستباحة...
5 - عقدة الدونيّة والنقص، التي ترزح تحت وطأة الهيمنة الثقافيّة الغربيّة، وتعتبر أنّ التراث الإسلامي العربي مركب نقص ثقافي وتاريخي، يجب السعي دائمًا للتخلص منه والتنصل من قيمه بكل الوسائل، في محاولة من بعض المفكرين الساعين إلى مسخ الثقافة العربيّة والإسلاميّة...
6 - إخضاع النصوص القرآنيّة والأحاديث النبويّة إلى مزاجات شخصيّة، أو تأثيرات بيئيّة أو اجتماعيّة، أو مصالح سياسيّة، أدّت إلى مسخ النّص وإبعاده عن مساراته ومصاديقه الحقيقيّة.
7 - التعسف في تطويع النصوص والمصادر والأدلة لشرعنة حكم الحاكم الظالم، وتهيئة الأمّة لتقبّله كأمرٍ واقع يريده الله ويرضاه، لأنّ فيه إبقاء على الوحدة، وبالتالي يحول دون شقّ عصا الطّاعة الموجب للضعف والتفرقة. 8 - الهالة والقدسيّة لبعض الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة التي تتوقف على أعتابهم النقد، ويتجمّد العقل البشريّ عن التفكير، والتحليل، والاستنتاج، ويوصد الباب أمام كلّ محاولة اجتهاديّة تجديديّة، ويتّهم أصحابها بالابتداع والمروق عن جادّة الحقّ والشريعة.
9 - تأثير عامّة الناس على المُنتج الفكري (الفقهي والشرعي)، وخضوع بعض الفقهاء لأفكار العامّة من الناس وميولهم... ما يولّد حالة من التردّد والحذر لدى المتنوّرين في طرح أفكارهم ورؤاهم، والتي تُواجه، في الغالب، بالسبّ، واللعن، والشتيمة، والإخراج عن الملّة والدّين.
10 - الذهنية العاميّة التي تقف حائلًا أمام المحاولات الإصلاحيّة التي تحاول الانتقال بالفكر الإسلامي من دائرة الجمود إلى مواكبة الحاضر، وسدّ احتياجاته، وتقديم الحلول الملائمة لتعقيداته الكثيرة.
ما يطرح التساؤل كيف السبيل لمواجهة، هذا الواقع وتخطيه؟ ولعل أولى هذه الخطوات تبدأ بالمواجهة مع النفس قبل أن تكون مع الآخر، ومن ثم الانطلاق إلى الدائرة الأوسع، وهكذا، وهذا يتطلب أن نؤسس لثقافة إنسانيّة عميقة الجذور المعرفيّة لجهة أصالتها الإسلاميّة المنفتحة (ثقافة تخوض غمار مواجهة الواقع نحو الأفضل)
وهو ما يتطلب تحرير العقل من العوائق المنهجيّة والمعرفيّة، وتخليصه من إكراهاته الأيديولوجية والثقافية، ليستعيد حريته في التفكير والعمل والإبداع، وهذا لا يتحقق إلّا بقراءة متأنية للتراث الإسلامي، تشمل المكونات والعناصر المنهجيّة والتاريخيّة والكوامن المحتفة به....
1 - وهذا لا يعني الاستغراق في كهوف الماضي ومغاور التاريخ، كما لا يعني الانبهار بالجديد لمجرد كونه جديدًا... ومصدره من عالم تحسبه متحضرًا!!!
2 - ضرورة تحريك مدلول النص المقدّس وإخراجه من دائرة الفهم الجامد...
3 - ترسيخ ثقافة الحوار العقلاني وقيم الانفتاح والاعتراف بالآخر، والإيمان بوجوده بين مختلف التيارات والقوى السياسيّة والثقافيّة.
4 - تعزيز ثقافة الثقة بالنفس، والتنبه لمخاطر الأفكار التضليليّة والتكفيريّة التي تؤدّي إلى إيجاد حال من الإحباط والنفور والتبعيّة....
5 - اتباع الثقافة الإسلاميّة قواعد عقليّة، والنأي بها عن الاعتقادات الوهميّة والخرافات...
وشرطه ليتسنى القيام بإصلاحات جذريّة، تقتضي:
ضرورة العمل على توفر الحريّة، وفهم طبيعة التراث الإسلامي من داخل بنيته الحقيقيّة، وإعادة النظر فيه وصياغته بصورة تتناسب منطق التطور ودينامية الإبداع البشري... ومواكبة التطورات والمستجدات بنظرة عصريّة منطلقة من حسّ الأصالة
د. حسين عبيد - باحث في القضايا الفكريّة
المصدر : مقالة من الدكتور حسين عبيد
* الآراء الواردة في المقالة تعبر عن رأي كاتبها
جريدة الأيام الإلكترونية. الصفحة الثقافية

بيروت-الطقس